الخطاب الديني أمام مسؤولية توجيه المجتمع السوري نحو التقارب
حسين زيدو
إنَ للخطاب الديني الأثر البليغ في نفوس المستمعين, من حيث التوجيه نحو فعلٍ ما, أو العمل بنصيحة دينيّة في شأن من شؤون الحياة.
فالمتوقع من الخطاب الديني هو التشجيع على الفهم العقلاني للدين, وتحرير المتدين من سلطة الأوهام والسلوك السيء, وإضفاء معاني القدسية على الصفات الإنسانية النبيلة.
وما زاد اليوم من أهمية الخطاب الديني المتوازن والوجيه في دور العبادة في سوريا؛ هو ما أحدثه الخطاب الديني المنحاز من شرخ بين شرائح المجتمع السوري الذي رسخ سمعه تحت وطأة خطاب ديني منحاز لسنوات عدّة, وتواجد من آمن بضرورة اعتناق الفكر الواحد, ومن لم يؤمن.
فجاءت فكرة هذا المقال للوقوف على ما يمكن أن يتناوله مضمون الخطاب الديني وأسلوب إلقائه في دور العبادة في سوريا, والتي أٌلقيت فيها خُطب منحازة قبل الآن, وكيف يمكن أن يُساهم الخطاب الديني في محو فكرة التباعد والتنافر من فكر السوريين, والتي ترعرعت في كنف سنيين الحرب, وكيف يمكن زرع فكرة التقارب والتجاذب مكانها.
تأثير النزاع في إحداث التباعد بين شرائح المجتمع السوري
أثّرت الحرب السورية خلال السنين الماضية على تغير نمطية الحياة الاعتيادية التي كانت سائدة في المجتمع, وأسهمت مفرزات الحرب الطائفية في استفراغ الحقد الكبوت من أحشاء الناس, وأخلّت في توازن العيش فيما بينهم, كما ساهمت الحرب بشكل كبير في تجمّد معاني التعايش السلمي, وسحب مبدأ التسامح الذي كان سائدا ما بين شرائح المجتمع, لتبقى في إثرها طقوس دينية واجتماعية جامدة يؤديها الناس في المساجد والكنائس والمقابر, وتمارس بشكل خجول وباستحياء في بعض المناسبات العامة.
إنّ الطبيعة الطائفية للحرب السورية ولّدت مشكلة التباعد ما بين شرائح المجتمع السوري, وعمّقت من سوء الفهم في أسلوب التعايش السلمي لدى شرائح مجتمعه المتنوع.
كما إنّ الخطاب الديني الذي تناغم مع الجهات المسيطرة على جغرافيات عدّة من سوريا خلال سنين الحرب, صقّل الفكر المنحاز لدى الكثيرين, وساهم في ازدياد نزعة التباعد والتنافر ما بين شرائح المجتمع السوري, وفاقم مشكلة عدم قدرة المجتمع المتنوع من التقارب والتجاذب والاختلاط والعيش, إضافة إلى أسباب سابقة تتعلق بضعف العمليّة التعليمية, وقلّة الوعي بالخطاب الديني.
إنً حال ما تبقى من معاني التعايش السلمي والتسامح ما بين مجتمع عانى النزاع والصراع الدامي لقرابة تسع سنوات لهو مزري, ما يستدعي إعلاء قيمة التسامح والتعايش من جديد, وبثه من خلال الخطاب الديني, وأن ينفخ الخطيب روح العيش بين مجتمع باتت كلمات النصوص المقدسة لديه بكماء ينتظر من يتحدث عنه.
تكمن أهمية الخطاب الديني في التنبيه من استمرار النتائج السلبية لنزعة التباعد الذي ولدته ظروف الحرب ما بين شرائح المجتمع السوري, ووقف استمرار تأثيرها على تنشئة الجيل الجديد, وذلك من خلال التركيز على مضمون الخطاب الديني وأسلوب إلقائه, للمساهمة الجادة في إصلاح الفكر وذات البين.
التركيز على مضمون الخطاب الديني وأسلوب إلقائه
يتطلب من المخاطب على المنابر الدينية, محاولة التركيز في الخطاب الديني على أن يوصّل رسالة الدين بأبهى صورها, وعلى أنها رسالة حضارية تحترم حقوق وحرية الإنسان، وتحترم طلب العلم وتعدّه فريضة، وإنَ الديانات تقرّ بالتساوي في الحقوق والواجبات، وأن يرسخ المخاطب في أذهان المستمعين القناعة بأنّ التنوع سُنّة كونية، وعلى المخاطب أن ينظر إلى الخطاب الديني كتجديد دائم بالدين وليس تجديدًا في الدين.
ولكي يؤتي ثمار الخطاب الديني في التقارب بين شرائح المجتمع السوري؛ لابد من تغيير نمط الخطاب الديني التقليدي القائم على القصص والحكايات ومخاطبة المشاعر والعواطف, وبدلا من ذلك يتوجب أن يتركز مضمون الخطاب الديني على مخاطبة العقل والمشاكل التي يعاني منها واقع المجتمع السوري, والبحث عن الحلول المجدية من خلال وضع المستمعين في الصورة الحقيقة لما يعانيه الواقع, ودعوتهم للمشاركة في الحل.
وكما للمضمون أهمية كذا للأسلوب, فيُنتظر من أسلوب الخطاب الديني تجاوز أسلوب الوعظ المباشر إلى تنوع أسلوب الإلقاء, واتباع أسلوب التعدد في طرق البحث عن جادة الصواب في إعادة إصلاح البين في المجتمع السوري, وهذا ما يتطلب من الخطيب الإلمام الجيد بعلوم الدين, والتزود والتنوع بالثقافة والعلوم المعاصرة.
من الحُسن أن يتضمن الخطاب الديني في جوهره أهدافاً سامية في إيصال رسالة حضارية تحترم العقل, وتوجه مساعي السوريين نحو البناء والتعمير.
ومن الجيد أن يختار المخاطب الديني المواضيع المهمة لإصلاح واقع المجتمع السوري, وأن يراعي فيها المستويات الثقافية والفروقات الاجتماعية, وأن يحترم ثوابت المجتمعات؛ وهي حقٌّ لا مراء فيه.
إنَ إزالة أكوام المساوئ ودرء المفاسد التي جلبتها الحرب السورية لصعب من دون تقديم المصلحة العامة للمجتمع السوري على المصلحة الفردية والطائفية لمجموعة بعينها, وإنً الحكمة والموعظة تقتضي مناشدة الشرائح والمكونات السورية المختلفة إلى جمع الرأي في مسار التصالح والتقارب والتسامح.
كما إن للأسلوب اليُسر والوضوح في إلقاء الخطاب الديني جاذبية لدى الناس, ما يتطلب من المخاطب الديني الابتعاد عن إساءة الأخرين وتجريحهم, أو خلق الاستفزاز في دواخلهم, ويتطلب حثّ المتلقين والمستمعين في أن يبتعدوا عن المعاندة والمخاصمة ورفض الآخر, وذلك للمساهمة في دمّل جروح السوريين, ووقف النزيف المميت.